مفهوم عقوق الوالدين في الإسلام
إن مفهوم عقوق الوالدين في الإسلام تمحور حول كل ما يمكن أن يسبب الأذى أو الألم أو القلق للوالدين، وهذا لعظمة قدرهما عند الله جل وعلا، ولما يقومان به يومياً من رعاية وعناية بالأبناء، منذ نعومة أظافرهم، وحتى الكبر في بعض الأحيان، فيظل الأب مسؤلاً عن ابنه ولو بلغ كليهما سن الشيخوخة.
وتظل الأم ترعى أبناءها، ولو صاروا هم أجداداً، فلا يوجد من يريد أن يراك أفضل منه غير أبيك، ولا يوجد من يدافع عنك في أي موقف مثل أمك، وهذا لأنهما يعلمان بأن حياتك مرهونة برعايتهما لك، وقد كنت حلماً لهما قبل ذلك، فما تحققت، أضائت الدنيا واستنارت في عينيهما، فلا تطفئ بريق الحياة الذي صنعه وجودك، بظلام أفعالك تجاههما.
مفهوم عقوق الوالدين في الإسلام
يعرف عقوق الوالدين في الإسلام لغة على أنه القطع والشق، اما في اصطلاح الفقهاء هو كل فعل أو قول يصدر من الأبناء تجاه الآباء يسبب لهم أذى من أي نوع سواء كان الأذى حقيقيا أو حكمياً، مادياً أو معنوياً، حيث أقر جمهور الفقهاء أن عقوق الوالدين كبيرة من الكبائر، التي تستوجب العقاب عند الله تبارك وتعالى، وهذا لما ورد من أدلة شرعية من الكتاب والسنة والإجماع، على حرمة العقوق.
ولأن العقوق يعتبر من الكبائر فإن فاعله يعرض نفسه لغضب الله جل وعلا، وإذا أردت معرفة كيفية تجنب عقوق الوالدين يمكنك تصفح مقالات موقع عش العربية، للاطلاع على كافة الموضوعات التي تهم حياة المسلم، في كافة المجالات ومن كافة النواحي.
حكم عقوق الوالدين في الإسلام
أقر علماء الشريعة الإسلامية من السلف والخلف حرمة عقوق الوالدين، من خلال الاستعانة بالأدلة التي يرد فيها الأمر من رب العالمين بطاعة الأبوين، ومنها ما جاء في قول الله تبارك وتعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا…} [الإسراء – 23]
حتى أن الله تبارك وتعالى لم يحرم مصاحبة الوالدين إن كانا على دين غير الإسلام، بل حرم فقط طاعتهما في الحرام، أي أنه لا يجب أن يتخلى الابن عن أبويه، حتى إذا لم يكونا على دينه، وقد ورد هذا الأمر الرباني في الآية الكريمة: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان – 15].
اقرأ أيضًا: قصة عن بر الوالدين.. أجمل القصص للأطفال
مظاهر عقوق الوالدين في الإسلام
انتشار عقوق الوالدين بشكل فظيع خلال العقود الأخيرة، ولكي نتأكد من أننا لا نؤذي أهلنا دون أن نقصد، أو نتوب من آذاهم عن قصد، فيجب علينا أن نتعرف على أشكال العقوق التي يجب البعد عنها في التعامل مع الوالدين كالتالي:
توجيه الإهانة والسباب
يحرم على المسلم إيذاء أبويه أو توجيه الإهانات لهما تحت أي بند أو شكل، لأن في ذلك عقوقاً مباشراً لهما، فكيف تسب من علمك الكلام، وكيف تهين من علمك معنى الكرامة، وقد ورد النهي عن إهانة الوالدين في حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (إنَّ مِن أكْبَرِ الكَبائِرِ أنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ. قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أبا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ) [أخرجه مسلم].
التأفف والنهر
كما نهانا الله تبارك وتعالى عن التضجر والتأفف من الوالدين، لأن هذا ينافي أمر الطاعة الذي أمرنا به في آيات أخرى، ولأن الوالدين لهما علينا حق الطاعة، لأنهما السبب في نشأتنا ورعايتنا منذ أن كنا ضعافاً لا نقدر على شيء، وقد ورد النهي عن التضجر في الآية الكريمة: {…إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}} [الإسراء – 23].
انتقاد الطعام
لا يجوز لمسلم أو يعيب طعاماً قط، فإن رغب فيه أكل منه، وإن زهد فيه تركه، بدون أن يذكر مساوئ الطعام، أو يعيب في طعمه أو قوامه أو شكله، فالوالدين لا يعملان في مطعم، والأم تمارس الطبخ ضمن مهام البيت وليست متفرغة له، لذلك وحتى إن كان الطعام غير جيد، فمن الأدب مراعاة تعب ومجهود الوالدين في إعداده.
إهمال المعونة
ليس فقط التسبب في الضرر، بل إن إهمال مساعدة الوالدين ومد العون لهما، من الأمور التي تدخل ضمن إطار العقوق، فترك الام تنظف البيت وحدها، أو ترك الأب يذهب لقضاء مشاوير البيت، أو إصلاح بعض الأجهزة التلفة فيه وحده، كل ذلك من العقوق المستوجب للعقوبة، خاصة إذا كان عمر الوالدين كبيراً ولم يعودا يحتملان المجهود.
اقرأ أيضًا: تعرف على كيفية تأثير علاقة الوالدين على الأبناء
إلحاق العار بالوالدين
عندما ترتكب جرماً أو حماقة أو يكشف ستر الله تعالى عنك وأنت على معصية، فإنك لا تحاسب على ذنبك وحدك، بل ستحاسب أيضاً على السمعة السيئة التي ألحقتها بوالديك، والنظرة المشمئزة التي سوف ينظر بها الناس إليهما بسببك، فقبل أن تمارس أي عمل لا يرضي الله جل وعلا، فكر في عقابه لك، وفي السمعة السيئة التي سوف تلحقها بأهلك.
هجر الوالدين
إن والدينا قد راعونا حق الرعاية ونحن صغار، فمن الواجب علينا أن نرعاهم ونحن كبار، هذا المبدأ البسيط لا يطبقه الكثير من الناس في عصرنا الحالي، فبمجرد أن يكبر الشاب للسن الذي يسمح له فيه بحرية الحركة، يهجر والديه، ويبحث عن حياته الخاصة، وكأنه هو من ربى نفسه، وقد حذر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من هذا الفعل فقال: (رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ -أحَدَهُما أوْ كِلَيْهِما- فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ) [أخرجه مسلم].
جزاء عقوق الوالدين في الإسلام
أعد الله جل وعلا عقاباً شديداً للذين يقعون في كبيرة عقوق الوالدين، لأن الله سبحانه، أقر للوالدين فضلاً عظيماً على الأنباء، مما يجعل طاعتهما واجبة على كل ابنائهم، مهما كان حال الأبوين، وقد دلت بعض الأدلة الشرعية على عقوبة عقوق الآباء كالتالي:
- ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن العاق لا يدخل الجنة في الحديث: (لا يدخلُ الجنَّةَ منَّانٌ، ولا عاقٌّ، ولا مُدمنُ خمرٍ) [أخرجه أحمد].
- كما يجعل الله تبارك وتعالى العقوبة للعاق في الدنيا قبل الآخرة، لما ورد عن النبي محمد لصى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل اللهُ تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يدِّخر له في الآخرةِ مثل البغيِ وقطيعةِ الرحمِ) [أخرجه أبو داود].
- العقوق يستوجب اللعن، واللعن في الإسلام هو الطرد من رحمة الله تبارك وتعالى، لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (ملعونٌ مَنْ سبَّ أباهُ ، ملعونٌ مَنْ سَبَّ أُمَّهُ…) [أخرجه أحمد].
عقوق الوالدين في الإسلام ليس مجرد ذنب، بل إنه كبيرة تستوجب اللعن والطرد من رحمة الله جل وعلا، لذلك احرص على عدم إيذاء أمك أو ابيك ولو بنظرة أو كلمة حتى لو كان دون أن تشعر.