العلاقة بين الغنة والتشديد في علم الأصوات
يتسائل الكثير من المهتمين بعلم اللغة عن العلاقة بين الغنة والتشديد في علم الأصوات حيث تعد الغنة والتشديد من أهم الظواهر الصوتية التي تميز بعض الأصوات عن بعضها الآخر، فما هي العلاقة بين هاتين الظواهر؟ هذا ما سنخبركم به في هذا المقال بالتفصيل، ونوضح لكم أهم قواعد الغنة وشروطها وقواعد النون والميم المشددة، ويمكنك الاستفادة من تلك القواعد في أحكام التجويد.
العلاقة بين الغنة والتشديد في علم الأصوات
عرف علماء التجويد الغنة على أنها الصوت الذي يخرج من الخيشوم، وأورد بعضهم تعريفًا آخر يشير إلى أنه الصوت الذي يخرج من الأنف. هذا المفهوم ورد في أقوال علماء اللغة العربية القدامى، كما ذكر سيبويه وغيره.
وقد فهم علماء التجويد طبيعة هذا الصوت، أي الغنة، ووصفها عبد الوهاب القرطبي بأنها “صوت يجري في الخيشوم مثل جريان حروف المد واللين في موضعها” وتؤكد هذه الحقيقة الدراسات الصوتية الحديثة، حيث تظهر حروف المد بجريان حرفي النفس بحرية داخل مجرى الحلق والفم، وبالمثل، يجري الصوت في حالة الغنة داخل تجويف الأنف (الخيشوم) بلا عائق. ولو توقف المتحدث عن تذبذب الأوتار الصوتية أثناء نطق حروف المد والغنة، لتوقفت الأصوات وتحولت إلى همس، فلا يوجد لهذه الأصوات ما يقابلها من الحروف المهموسة.
وعلى هذا الأساس، قرر المرعشي أن بعض الأصوات “لا ينضغط فيها الصوت أصلاً”، ومن بين هذه الأصوات مخرج الألف المدية ومخرج النون الخفية، والتي تعتبر الغنة.
وكي نتعرف على العلاقة بين الغنة والتشديد في علم الأصوات سوف نوضح لكم مراتب الغنة.
مراتب الغنة
العلاقة بين الغنة والتشديد في علم الأصوات تظهر في مراتب الغنة، حيثتصنف مراتب الغنة في التجويد إلى خمس مراتب وفقًا لأقوال علماء التجويد، وهي كما يلي:
المرتبة الأولى مرتبة التشديد
في هذه المرتبة، تكون الغنة في النون والميم المشددتين، والغنة في النون المشددة أكمل وأقوى من الميم؛ لأن أصل الغنة في النون والميم فرع عنها. على سبيل المثال: “حمّالة الحطب”، و”تلك الجنّة”، ومقدار الغنة حركتان. وتضاف إلى هذه المرتبة: الإدغام التام والإدغام الشفوي.
مرتبة الإدغام الناقص والغنة
في هذه المرتبة، تنشأ الغنة من إدغام النون الساكنة في حرفي الواو والياء، وهما حرفا الإدغام الناقص. على سبيل المثال: “فمن يعمل”، و”مِن ولي”. ومقدار الغنة حركتان.
مرتبة الإخفاء والغنة
بالنسبة للمرتبة الثالثة وهي مرتبة الإخفاء والغنة، يتم توليدها من خلال إخفاء النون الساكنة عند ملاقاتها أحد حروف الإخفاء الحقيقي، والتي تتمثل في أوائل حروف البيت الشعري التالي: “صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما دم طيبًا زد في تقى ضع ظالمًا”، كما في كلمات “الإنسان” و”أنفسهم”، ومقدار الغنة هو حركتان ويضاف إلى هذه المرتبة: غنة الإخفاء الشفوي، وهي الغنة التي تحدث عندما يختفي الميم الساكنة عند ملاقاتها حرف الباء سواء في كلمة واحدة أو في كلمتين، مثل “يعتصم بالله” و”ترميهم بحجارة” كما يضاف إلى ذلك غنة الإقلاب، التي تحدث عندما يتقابل النون الساكنة مع الباء سواء في كلمة واحدة أو في كلمتين، وتكون الغنة للميم المدلة فوق النون، مثل “من بعد ما قنطو”.
اقرأ أيضًا: قواعد كتابة الهمزة وحركاتها المختلفة في وسط الكلمة
المرتبة الرابعة الساكن الظاهر والغنة
مرتبة الساكن الظهر والغنّة، تظهر الغنّة في النون والميم الساكنتين المظهرتين، ويظهر في هذه المرتبة أصل الغنة فقط. وتتضمن الغنّة في هذه المرتبة:
الغنة في الإظهار الحلقي: وهي الغنّة التي تحدث عندما يتقابل النون الساكنة مع أحد حروف الإظهار الحلقي، مثل حروف أوائل البيت الشعري “أخي هاك علمًا حازه غير خاسر”، حيث تظل الغنّة غير مظهرة، كما في قوله تعالى: “مِنْ غَيْرِ سُوءٍ”.
الغنة في الإظهار المطلق: وتحدث هذه الغنة عندما يتقابل النون الساكنة مع أحد حروف الإدغام في كلمة واحدة، كما في كلمات “الدّنيا”، “صنوان”، “قنوان”، “بنيان”.
الغنّة في الإظهار الشفوي: وتحدث هذه الغنة عندما يتقابل الميم الساكنة مع أحد حروف الإظهار الشفوي، باستثناء حروف الإدغام والإخفاء الشّفوي.
المرتبة الخامسة المتحرك المخفف
أما في المرتبة الخامسة المتحرك المخفف فتظهر الغنة كجزء من أصل النون والميم، إذ تكون الغنة لازمة فيهما، وتكون الغنة في هذه المرتبة أقل بروزًا، كما في كلمات “مَريم” و”نَمارق”، حيث يضاف إليها النون والميم المحركتان لمنع التقاء الساكنين.
أقسام النون والميم المشددتين
قسم حروف النون والميم المشددتين إلى أقسام بناءً على موقعهما في الكلمة، كما يلي:
قسم حرف الغنّة المشدد:
النون المشددة المفتوحة، كما في كلمة “إِنَّ”.
النون المشددة المكسورة، كما في كلمة “إِنِّي”.
النون المشددة المضمومة، كما في كلمة “جَانٌّ”.
الميم المشددة المفتوحة، كما في كلمة “أَمَّا”.
الميم المشددة المكسورة، كما في كلمة “فَلِأُمِّهِ”.
الميم المشددة المضمومة، كما في كلمة “وَأُمَّهُ”.
حالات الغنة المنفصلة المشددة
حالات الغنة المشددة التي تكون منفصلة عن ما بعدها، مثل حالات الإدغام الكامل كما في “من نّعمة”، والشفوي كما في “لكم مّا”، وحالة التعريف المدغمة بعد حروف الالتفات كما في “النّاس”.
ما هو مقدار الغنة؟
مقدار الغنة يعتبر حركتين مماثلة للمد الطبيعي، مع وجود غنة كاملة دون أي تفاوت في المراتب الثلاثة الأولى( المشدد، والمدغم بالغنة الناقصة، والمخفي) أما في المرتبتين الأخيرتين، الساكن المظهر والمتحرك المخفف، فإن مقدار الغنة يثبت فيهما من الغنة أصلها فقط، دون وجود حركتين.
يستثنى من وجود أصل الغنة في الساكن المدغم حالة إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء بدون غنة؛ لأنه في هذه الحالة، لا يوجد أصل للغنة بسبب تمام الإدغام، في هذه الحالة، يتم تغيير النون والتنوين بشكل كامل، وتدغم اللام في اللام والراء في الراء، مما يؤدي إلى انعدام كل من النون والتنوين، وبالتالي، يتم حذف الغنة.
ومع ذلك في إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم، فإن الغنة المدغمة – وهي النون والميم – لا تزال موجودة كما هو الحال في الغنة المشددة، لأن الغنة تعتبر صفة لازمة للنون والميم مطلقاً، بخلاف إدغام النوع الأول، الذي يتمثل في لام وراء، حيث لا تعتبر الغنة جزءا من صفاتهما.
اقرأ أيضًا: ما هي مواضع الغنة في القرآن الكريم
طريقة أداء الغنة
طريقة أداء الغنة والنقاط التي يجب مراعاتها:
- يجب أداء الغنة بسلاسة في النطق وإخراجها دون تمطيط أو لوك، ولا ينبغي زيادة أو نقصان عن مقدارها المحدد. يتمثل هذا المقدار في الغنة المشددة، كما ذكرنا سابقاً.
- من الأهمية البالغة أيضًا اتباع الغنة بتفخيم أو ترقيق الحروف التي تأتي بعدها، على العكس تمامًا من حالة المد، حيث يتم تفخيم الحرف الذي يلي الغنة وترقيقه.
- يلاحظ أن تفخيم الغنة يكون في المرتبة الثالثة، وهي مرتبة الإخفاء الحقيقي، على حروف معينة كالصاد والضاد والطاء والظاء والقاف، عند جميع القراء.
- على سبيل المثال، الصاد في “ولمن صبر” [الشورى: 43]، والضاد في “لمن ضره” [الحج: 13]
- وهكذا يلاحظ أيضًا وجود حرفين إضافيين في قراءة الإمام أبي جعفر المدني، وهما الغين والخاء المعجمتان.
بهذا نكون قد تعرفنا العلاقة بين الغنة والتشديد في علم الأصوات وأهم القواعد والأحكام الخاصة بها.