مرثيّة مالك بن الريب التميمي
مرثية مالك بن الريب التميمي واحدة من أهم القصائد في العصر الأموي لما تفردت به من التجربة الشعرية الصادقة حيث رثى الشاعر مالك بن الريب نفسه لما شعر باقتراب أجله، هيا بنا نتعرف على هذه القصيدة الرائعة.
مرثيّة مالك بن الريب
التعريف بالشاعر:
مالك بن الرَّيْب التميمي شاعر من بني مازن بن عمرو بن تميم، وكنيته أبو عقبه، نشأ في نجد وهو أحد فرسان بني مازن. وكان شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوشحاً سيفه ولكنه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه، لازم شظاظاً الضبي الذي قالت عنه العرب ألص من شظاظ.
وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان -ابن الصحابي عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وهو متوجه لإخماد فتنة في تمرّد بأرض خُرسان فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق، فاستجاب مالك لنصح سعيد فذهب معه وأبلى بلاءً حسناً وحسنت سيرته وفي عودته بعد الغزو وبينما هم في طريق العودة مرض مرضاً شديداً أو يقال أنه لسعته أفعى وهو في القيلولة فسرى السم في عروقه وأحس بالموت فقال قصيدة يرثي فيها نفسه. وصارت قصيدته تعرف ببكائية أو مرثية مالك بن الريب التميمي.
يقول الشاعر:
أَلاَ لَيْـتَ شِعـري هَـلْ أبيتَنّ ليلةً * * * بجَنبِ الغَضَا ، أُزجي القِلاص النّواجِيا
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ * * * وليـتَ الغَضَا مَاشىَ الـركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا، لو دنا الغضا * * * مـزارٌ، ولكـنّ الغضـا ليْسَ دانيا
أَلمْ تَـرَني بِـعتُ الضّـلالةَ بالهُـدى * * * وَأَصْبَحْتُ فـي جيشِ ابنِ عفّان غازيا
دَعاني الهَوى من أهل وُدّي وصُحبتي * * * بِـذِي الطَّبَسَـين ، فالتفـتُّ وَرَائِيا
أَجَبْـتُ الهَـوَى لَمّا دَعَاني بِـزَفْرَةٍ * * * تَقَنّعْـتُ مِنْـهَا ، أن أُلامَ ، ردائيا
أقول وقد حالت قرى الكرد بيننا *** جزى الله عمرا خير ما كان جازيا
تقول ابنتي حين رأت طول رحلتي *** سفارك هذا تاركي لا أبا ليا
لَعَمْري لئـن غالتْ خُراسانُ هامَتي * * * لقـد كُنْـتُ عن بابَيْ خراسان نائيا
فللّـه درّي يَـوْمَ أَتْـرُكُ طـائعاً * * * بَنـيَّ بأَعْلـى الـرّقمَتَيـْنِ، وماليا
ودَرُّ الظّبـاءِ السّـانِحـاتِ عَشِيّةً * * * يُخَبّـرْنَ أنـي هالِكٌ مِن وَرَائِيا
وَدَرُّ كَبيـرَيَّ اللّـذين كِـلاهُمَا * * * عَلـيّ شَفيـقٌ ، ناصِحٌ ، قد نَهانِيا
وَدرُّ الهَوَى من حَيْثُ يدعو صِحَابَهُ * * * وَدَرُّ لَجـاجـاتي ، ودَرُّ انتِهـائيا
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ ، فلمْ أَجِدْ * * * سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيِّ باكيا
وَأَشْقَـرَ خِنْـذِيذٍ يَـجُرّ عِنـَانَهُ * * * إلى الماء، لم يتْـرُكْ لَهُ الدهْـرُ ساقيا
ولَكِـنْ بِأَطْـرَافِ السُّمَيْنَة نِسْـوَةٌ * * * عَـزيزٌ عَلَيْهِـنّ العـشيّةَ ما بيا
صَـرِيعٌ على أيْدِي الـرّجَالِ بِقَفْرَةٍ * * * يُسَـوُّوْنَ قَبْـري، حَيْثُ حُمَّ قضائيا
وَلَمّـا تَـرَاءَتْ عِنْـدَ مَـرْوٍ مَنيّتي * * * وَحَـلَّ بِهَا جِسْـمي، وَحَانَتْ وَفَاتِيا
أَقـولُ لأصْـحابي ارْفعـوني لأنّني * * * يَقِـرّ بِعَيْـني أن سهَيـلٌ بَـدَا لِيا
فيا صاحبَي رحلي! دنا المَوْتُ، فَانزلا * * * بـِرابِيَـةٍ ، إنّـي مُـقِيـمٌ لَيـاليِا
أَقيما عليّ اليَوْمَ ، أو بَعْـضَ ليلةٍ * * * ولا تُعْجِـلاني قـد تبيّـنَ ما بِيا
وَقُوما ، إذا ما استُلّ روحي ، فهيِّّئا * * * ليَ القـبرَ والأكفـانَ، ثُمّ ابكيا ليا
وخُطّا بأطْـرَافِ الأسِنّةِ مضجعي * * * ورُدّا علـى عَيْنَـيَّ فضـلَ ردائيا
ولا تحسُـداني ، باركَ اللَّهُ فيكما * * * من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعا ليا
خُـذَاني ، فجُـرّاني بِبُرديْ إليكما * * * فقـد كُنْتُ ، قبل اليوم ، صَعباً قِياديا
فقد كنتُ عطَّافاً، إذا الخيلُ أدْبَرَتْ * * * سَـريعاً لـدى الهَيْجا، إلى مَن دعانِيا
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى * * * وعـنْ شَتْـمِ إبنِ العَمّ وَالجارِ وانِيا
وَقد كُنْتُ صَبّاراً على القِرْن في الوَغى * * * ثَقِيـلاً على الأعـداء، عَضْباً لسانيا
وَطَوْراً تراني فـي ظِلالٍ وَمَجْمعٍ * * * وَطَـوْراً تَـراني ، والعِتَـاقُ ركابيا
وَقُوما علـى بِئْرِ الشُّبَيكِ ، فأسمِعا * * * بها الوَحْشَ والبِيضَ الحسانَ الروانيا
بِأَنَّكُمـا خَلَّفْتُمَـانـي بِقَفـْرَةٍ * * * تُهيـلُ علـيّ الـرّيحُ فيها السَّوافيا
ولا تَنْسَيا عَهْدي ، خَليليّ ، إنّني * * * تقطَّع وصـالي وَتَـبْلـى عِظـامِيَـا
فلنْ يَعْـَدم الـوالون بيتاً يَجُنُّني * * * وَلَـنْ يَعْـدَمَ المـيراثَ منّي الموالِيا
يقولون :لا تَبعُدْ ، وهُم يدفِنونني * * * وأيْـنَ مَـكانُ البُعْـدِ إلاّ مَـكانِيا؟
غَدَاةَ غَدٍ، يا لَهْفَ نَفْسي على غدٍ ٍ* * * إذا أَدْلجـوا عـني ، وخُلّفتُ ثاويا
وَأَصْبَحَ مالي ، من طَريفٍ ، وتالدٍ * * * لِغَيْـري وكان المالُ بالأمـسِ ماليا
فيا ليْتَ شعري، هل تغيّرَتِ الرَّحى * * * رحى الحْرب،أو أضْحت بفَلج كماهيا
إذا القـْومُ حلّـوها جميعاً، وأَنْزَلوا * * * لها بَقـراً حُـمَّ العيـونِ، سواجِيا
وَعِـينٌ وَقَـدْ كان الظّلامُ يَجُنّها * * * يَسُفْنَ الخُـزامي نَورَها والأقاحيا
وَهَلْ تَرَكَ العيسُ المَرَاقيلُ بالضّحى * * * تَعَالِيَهَـا تَعلـو المُتـونَ القَيـاقيا
إذا عَصِـبَ الـرُّكْبَانُ بَيْنَ عُنيزةٍ * * * وبُولانَ ، عاجُـوا المُنْقِياتِ المَهَاريا
ويا لَيْتَ شعري هل بَكَتْ أُمُّ مالكٍ * * * كمـا كُنْـتُ لَوْ عَالَوا نَعِيَّكَ باكيا
إذا مُتُّ فاعْتَادي القُبُورَ ، وسلّمي * * * على الرَّيمِ ، أُسقيتِ الغَمامَ الغَواديا
تَرَيْ جَدَثاً قد جَرّتِ الرّيحُ فوقَه * * * غُبـاراً كلـونِ القسْطَـلانيّ هَابِيا
رَهِينـة أَحْجَـارٍ وتُرْبٍ تَضَمّنَتْ * * * قَـرارَتُها منّـي العِظَـامَ البَوالِيا
فيـا راكِباً إمّا عَـرَضتَ فبلّغَنْ * * * بني مالكٍ والـرَّيْبِ أنْ لا تـلاقِيا
وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري * * * وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تدانيا
وَسَلّمْ على شيخيّ مِنيّ كِلَيْهِما * * * وبلِّغ كَثـيراً وابْنَ عمّـي وخَاليا
وعطِّل قَلوصي في الرِّكاب، فإنّها * * * ستُـبرِدُ أكباداً وتُبكـي بَواكِيا
أُقَلِّبُ طَرْفي فَوْقَ رَحْلي، فلا أرَى * * * بِهِ مـن عُيُونِ المُؤْنِساتِ مراعِيا
وبالرَّملِ منّي نِسْـوَةٌ لـو شَهِدنَني * * * بَكَيْنَ وَفَـدّيْنَ الطّـبيبَ المُداويا
فمِنْهـُنّ أُمّـي، وابْنتاها، وخالتي * * * وباكِيَةٌ أُخـرى تَهِيـجُ البَواكِيا
وما كانَ عَهْـدُ الرّمْل منّي وأهلِه * * * ذميما ً، ولا بالـرّمْل ودّعْتُ قَاليا
كانت هذه مرثية مالك بن الريب إلى اللقاء مع قصيدة أخرى من عيون الشعر العربي.
قصيدة الفرزدق في مدح زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب