قصيدة الفرزدق في مدح زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

الفرزدق يمدح زين العابدين علي بن الحسين (رضي الله عنه) واحدة من أرق وأصدق القصائد في غرض المدح حيث لم يكن الغرض من القصيدة الحصول على المال والعطايا من الممدح وإنما دفعه حبه الصادق لآل بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم)، حتى أن هذه القصيدة كانت سببًا في حبسه، فهيا بنا نتذوق حلاوة البيان، وصدق العاطفة.

قصيدة الفرزدق في مدح زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

الفرزدق

هَمَّام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق. شاعر، من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة، كان يقال: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس. يشبه بزهير بن أبي سلمى. وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى، زهير في الجاهليين، والفرزدق في الإسلاميين. وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفاً في قومه، عزيز الجانب، يحمي من يستجير بقبر أبيه – وكان أبوه من الأجواد الأشراف – وكذلك جده. وفي شرح نهج البلاغة: كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء والأمراء إلا قاعداً، وأراد سليمان بن عبد الملك أن يقيمه فثارت طائفة من تميم، فأذن له بالجلوس! وقد جمع بعض شعره في (ديوان مطبوع) ومن أمهات كتب الأدب والأخبار (نقائض جرير والفرزدق – ط) ثلاثة مجلدات. كان يكنى في شبابه بأبي مكية، وهي ابنة له. و لقب بالفرزدق، لجهامة وجهه وغلظه. وتوفي في بادية البصرة، وقد قارب المئة. وأخباره كثيرة. وكان مشتهراً بالنساء، زير غوان، وليس له بيت واحد في النسيب مذكور. وقال المرتضى: كان يحسد على الشعر ويفرط في استحسان الجيّد منه. 

مناسبة القصيدة:

لما حجّ هشام بن عبد الملك في أيام أبيه، طاف بالبيت وجهد ان يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر على ذلك بسبب كثرة الزحام، فنصب لنفسه كرسيّاً وجلس عليه بنتظر إلى الناس مع جماعة من أعيان الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فطاف بالبيت. فلما انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلمه، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، وكان الفرزدق حاضراً فقال: أنا أعرفه، ثمّ اندفع فأنشد هذه القصيدة يمدح زين العابدين علي بن الحسين بن علي التي أغضبت هشاماً فأمر بحبسه بين مكّة والمدينة.

فقال الفرزدق

 

هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ                    وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ                       هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ

هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ                   بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا

وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِ                       العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ

كِلتا يَدَيهِ غِياثٌ عَمَّ نَفعُهُما                        يُستَوكَفانِ وَلا يَعروهُما عَدَمُ

سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُ                  يَزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ

حَمّالُ أَثقالِ أَقوامٍ إِذا اِفتُدِحوا                      حُلوُ الشَمائِلِ تَحلو عِندَهُ نَعَمُ

ما قالَ لا قَطُّ إِلّا في تَشَهُّدِهِ                       لَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءَهُ نَعَمُ

عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإِحسانِ فَاِنقَشَعَت                  عَنها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ وَالعَدَمُ

إِذا رَأَتهُ قُرَيشٌ قالَ قائِلُها                           إِلى مَكارِمِ هَذا يَنتَهي الكَرَمُ

يُغضي حَياءً وَيُغضى مِن مَهابَتِهِ                   فَما يُكَلَّمُ إِلّا حينَ يَبتَسِمُ

بِكَفِّهِ خَيزُرانٌ ريحُهُ عَبِقٌ                            مِن كَفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ شَمَمُ

يَكادُ يُمسِكُهُ عِرفانُ راحَتِهِ                         رُكنُ الحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ

اللَهُ شَرَّفَهُ قِدماً وَعَظَّمَهُ                            جَرى بِذاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ

أَيُّ الخَلائِقِ لَيسَت في رِقابِهِمُ                   لَأَوَّلِيَّةِ هَذا أَو لَهُ نِعَمُ

مَن يَشكُرِ اللَهَ يَشكُر أَوَّلِيَّةَ ذا                     فَالدينُ مِن بَيتِ هَذا نالَهُ الأُمَمُ

يُنمى إِلى ذُروَةِ الدينِ الَّتي قَصُرَت              عَنها الأَكُفُّ وَعَن إِدراكِها القَدَمُ

مَن جَدُّهُ دانَ فَضلُ الأَنبِياءِ لَهُ                    وَفَضلُ أُمَّتِهِ دانَت لَهُ الأُمَمُ

مُشتَقَّةٌ مِن رَسولِ اللَهِ نَبعَتُهُ                    وَفَضلُ أُمَّتِهِ دانَت لَهُ الأُمَمُ

يَنشَقُّ ثَوبُ الدُجى عَن نورِ غُرَّتِهِ               كَالشَمسِ تَنجابُ عَن إِشراقِها الظُلَمُ

مِن مَعشَرٍ حُبُّهُم دينٌ وَبُغضُهُمُ                  كُفرٌ وَقُربُهُمُ مُنجىً وَمُعتَصَمُ

مُقَدَّمٌ بَعدَ ذِكرِ اللَهِ ذِكرُهُمُ                       في كُلِّ بِدءٍ وَمَختومٌ بِهِ الكَلِمُ

إِن عُدَّ أَهلُ التُقى كانوا أَئمَّتَهُم                أَو قيلَ مَن شَيرُ أَهلِ الأَرضِ قيلَ هُمُ

لا يَستَطيعُ جَوادٌ بَعدَ جودِهِمُ                   وَلا يُدانيهِمُ قَومٌ وَإِن كَرُموا

هُمُ الغُيوثُ إِذا ما أَزمَةٌ أَزَمَت                   وَالأُسدُ أُسدُ الشَرى وَالبَأسُ مُحتَدِمُ

لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً مِن أَكُفِّهِمُ            سِيّانِ ذَلِكَ إِن أَثرَوا وَإِن عَدِموا

يُستَدفَعُ الشَرُّ وَالبَلوى بِحُبِّهِمُ               وَيُستَرَبُّ بِهِ الإِحسانُ وَالنِعَمُ

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.